غزوة أنترنتية




بعد عراك طويل وشرس مع النوم ، انسحبت متقهقرا من مواجهة محسومة النتائج سلفا مسكونة بوجع الخسارات دائما.. تحت ضغط كتائب القلق الزاحفة نحوي بزخمها المتوالي والمعهود استسلمت مكرهاً  لواقع الأمر.. رافعا رأسي عن الوسادة متأففا.. بنظرة خاطفة لمحت ذلك التوجس اللئيم يقفز فرحا فوق السرير معلناً انتصاره المبين ... فعدت طاويا ليلي ساهراً .. ودثار الذكريات يطاردني..

هناك على مسافة سيجارة مشتعلة رحت اجر بقايا وجعي المسهد هائماً بين جدران المكان .. باحثا عن شئ ما ، يكسر مرارة تلك اللحظات المفجوعة بخسارة النوم .. اهتديت الى صومعتي دلفت روحي قبل جسدي المترنح، اتلمس موضعي بين رفوف الكتب ورائحة الدخان لازالت عالقة في الأجواء، ركوة القهوة ، فنجاني الشارد  يستجدون معا لمسة دافئة وسريعة تعيد اليهم طعم الحياة.

بين المطبخ وغرفتي سعيت راكضا أشواط واشواط شغلت جهاز الحاسوب ماضغاً ذلك الوقت الهارب من عمري انتظاراً.!؟ نقرت على مفضلتي  لعلي التقط حبات تداوي جراحات تؤرق غدي المبهم.

مع أول رشفة بدأتُ اعد حبات من قمح الوطن الأسمر المعتقة برائحة الهيل والمسك والعنبر والزعفران. أسميهم توائم الروح ...  تؤنس وحشتي وترثي غربتي، حين اطير محلقاً بين سمواتها المؤنقة فرحاً ( ملتقى الشيعة في استراليا )  و ( رابطة الكتاب العراقيين )  و ( صحيفة المثقف ) و ( مؤسسة النور الثقافية ) و ( فراديس ) أجول حالما بين حدائقهما الغناء.

لطالما ركنت اليهم ساعة الوحدة  والانقطاع وما اكثر تلك الساعات الموبؤة  بالحزن  أملأ رئتي بشذى هواهم الندي الفواح .. ارمم هياكل روحي المنهكة بفعل عوامل الفزع من هذا الزمان اللقيط .. منظماً انفاسي استعداداً  لجولة شرسة مع النوم.

تلك الليلة المنقوعة بالقلق تجرعت غصصها الى حد الثمالة حاولت جاهداً تغيير نمطها الكئيب الموشح بايقاعاتها الحزينة، قررت ان أقتطف وردة من مجموعتي الزاهرة.. وقع الاختيار على ملتقى الشيعة الإسترالي الانيق. وما ان ضغطت سبابتي على الماوس حتى ترائ لي  سواد في سواد ومسخ مبهم ملثم بالأمراض يخفي ملامح وجهاً مشوه يشبه ( الرها )  يمصع ذنبه متراقصا امامي..
  
لم يظهر منه شيئا يذكر سوى عينين غائرتين بوحل الفتاوى المستلة من غياهب حفر الأفاعي الرقطاء .. يتحذلق بابجدية رعناء بلسان ابناء أوى وأكلة الأكباد المهوسون دوماً برائحة الاشلاء.. على شمال الشاشة ثمة قزم خرتيت يحمل بين كتفيه منجلاً طويل معتمراً قلنسوة خرقاء.. هناك ايضا ثمة خرقة سوداء معطلة ملطخة بعار الأوهام وخلفه قارى يرتل لحن منقوص الدلالات .

أستعذت بالرحمن من شر كل هاكر داعشي خسران ما هذا.؟ ما الذي يجري.؟ اغزوة انترنتية جديدة .!؟ مسحت عيني معاوداً الكّرة واذا به يقف ناعقاً نابحاً في وجهي ..

أيها الحالم جئتك محذراً قبل فوات الأوان.. جئتك قاصداً بكل خبثي.. بقذارتي.. بعهري.. حاجبا عن عقلك وقلبك  ينابيع المودة والجمال .. معولي المعقوف متعطش لسفك دمك تلذذا.. منجلي يثملُ طرباً بخطف رحيق الأرواح.. ها هو شاهرا إياه فوق رأسك وعلى رؤوس الأشهاد  هادماً تحت ناظريك مداميك الإبداع .. لطالما رسمت كلماتك على صفحاتها ببراءة العنفوان.

صرخت به رويدا رويدا..
توقف أيها المسخ الملعون ..
أيها المعجون بماء الرذيلة..
ايها العابد لرمزك الموطوء قديماً ..

اما علمت ان خارطة المكان الغت جميع حدودها الرتيبة حين توحدت فصارت كل المواقع شرقاً وغرباً تنطق بصوت الحقيقة وملتقى الشيعة.

خاسراً انت ومفزوع .. مفزوعون انتم وخاسرون .. موهومون بجنات تجري خلالها انهار الدماء.. وحور عين عاريات وأشجار تتدلى منها رؤوس ضحاياكم المقطعات.

لن ترهبنا مناجلكم ، سواطيركم ، معاولكم ، زخات رصاصكم المأفون بإسم الدين لأنكم مهزومون متلاشون تحت وهج شموسنا البليغة حين تشرق حروفنا تتلألأ  بحُلة البهاء والنور تبدد ظلمة نفوسكم الشحيحة .. لتعودو كالخفافيش الى جحر سيدكم القابع في  مغاور ( تورا بورا )  تكبّرون بأنفاس كريهة.. لتصغر معها حدقات الحياة المذبوحة وفق مقاسات عقولكم الخاوية السفيهة.

اعرف جيداً مدى خوفكم ، جبنكم ، خستكم .. أرعبتكم وقع كلماتنا الحرة الرقيقة .. فضحتكم طهارة الحقيقة المضاءة بنبل النفوس.. نحن هنا  باقون مستمرون لاننا ببساطة صناع الحياة المنتصرون. رغم انف الجهلة وجيوش القتلة ونابشي القبور.

عندها لا أدري كيف تناهى لمسامعي صوت الحافظ رجب البرسي يأتي من بعيد  جاهراً بوجده مرتلاً نشيد الولاية الأثير عبر كل الأوقات والفصول ...

أمير المؤمنين اراك لما ذكرتك عند ذي حسب صغا لي
وإن كررت ذكرك عند نغل تكدر سره وبغى قتالي
فصرت إذا شككت في أصل امرء ذكرتك بالجميل من الخصال
فها أنا قد خبرت بك البرايا فأنت محك أولاد الحلال
وليس يطيق حمل ثناك إلا كريم الأصل محمود الفعال

هنا راح قلمي يسطر مفرداته بصاقاً من سجيل على وجوه الأرجاس ومن سار على منهج الاوغاد من الأن حتى قيام الساعة...